ذو القرنين وغروب الشمس

في سورة الكهف (18 : 83 ـ 86)

 

("وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا. إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرض وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا. فَأَتْبَعَ سَبَبًا. حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا.") (سورة الكهف: 83 ـ 86)

***********

هل تغرب الشمسُ حقاً في عينٍ حمئةٍ مظلمة، أم أنَّ القرآنَ على خطأ؟  ألعلّ هناك تفسيراً آخر لما يقوله القرآن في هذا الخصوص؟

في البدء، سنستعرض المعنى الظاهري لما تقوله سورة الكهف 83 ـ 86 وبعد ذلك سننظر إلى بعض تفاسير المسلمين وردودهم.

 

بعضٌ من علمِ الفلك

ربما ليس معروفاً لكثيرين أن علم الفلك قد أحرز تقدماً في ظل حكم العباسيين المسلمين من عربٍ وفُرس، وأنهم قاموا بتسمية العديد من النجوم، كما نسخوا وصححوا بعض جداول العالِمِ بطليموس. لكنْ، وإذ نعرف بأن الشمس أكبر من الأرض بمراتٍ، وأنّ الأرض تدور حول الشمس، فإن الشمس بالتأكيد لا تغرب في عينِ ماءٍ حمئة!

 

من هو ذو القرنين؟

ليس لدينا ما يدلّ على أن محمداً قد أخبر أحداً بشيء عمّن يكون هذا الرجل، لكنّ للمسلمين أربعة آراء مختلفة عنه:

 

الاسكندر الكبير (المقدوني):

الاعتقاد الأكثر شيوعاً هو أنّه الاسكندر الكبير (المقدوني).

ذو القرنين تعني "رجلٌ له قرنان"، وهناك أسطورة كانت تقول بأن الاسكندر الكبير كان إلهاً وكان له قرنان كقرني الكبش يبرزان من جانبيْ رأسهٍ. وعلى الرغم من عدم صحة هذه الأسطورة (إضافة إلى صعوبة إيجاد خوذة تغطي رأساً يبرز منه قرنان!) فإنها كانت معروفة، وكثير من المسلمين يعتقدون أن السورة 18 من القرآن قد عَنَتْ بذلك الاسكندر وسمته باسمه.

 

سيروس الأول الفارسي:

رأي آخر من آراء المسلمين هو أن يكون سيروس الأول الفارسي الذي شملت امبراطوريته مجموعتين متقاربتين، الماديين والفرس (نسبة إلى مادى وفارس)، لكن، ما عدا ذلك، ليس هناك ما يشير إلى أنه كان يتميز بقرنين.

 

واحد من ملوك اليمن:

رأي ثالثٌ للمسلمين يقول، إنه ربما كان ملكاً من ملوك اليمن كان يعتمر خوذةً يبرز منها قرنان.

 

أو ربما شخصية مجهولة:

أما الرأي الرابع فهو القائل بأن الاسكندر ربما يكون شخصية مجهولة. وانطلاقاً من ذلك فمن غير المنطقي أن يتوسّع الناس في الحديث عن أشخاص مجهولين لم يسمعوا عنهم أبداً. 

 

على أية حال، فإنّ معرفةَ مَنْ هو ذو القرنين ليست الأمر المهمّ. ما يهمّنا هو قول القرآن بأنّ الاسكندر بلغ مغرب الشمس فوجدها تغرب في عينٍ حمئةٍ، لكننا وإذْ نعرف بأن الشمسَ لا تغرب في عينٍ حمئة (أي موحلة)، فإنّ هذا القول هو بالتأكيد قولٌ باطلٌ بغضِّ النظر عن الشخص الذي كان موضوع حديث محمد.

**********

 

سورة الكهف 18 : نظريات وردود

 

النظرية الأولى:

الشمس تغرب حقاً في عينٍ حمئة!

 

المسلمون الأوائل يرون أن ما قاله القرآن عن هذا الموضوع هو أمرٌ قد حدث فعلاً. يؤكّد ذلك أحد المفسرين الأوائل في كتابه "تاريخ الطبري" المجلد الأول ص 234

ويذكر الطبري في مثال آخر إنّ "ذو القرنين" قد شهد غروب الشمس في مكان راحتها في عينٍ مظلمةٍ وحمئة نتنة. (الطبري مجلد 5 ص 173 ـ 174 ومجلد 1 ص 371)

وهكذا، يتوافق ذلك مع ما ورد في المرجع نفسه بأن الأرض تستقرّ على سمكة كبيرة! (الطبري مجلد 1 ص 220) (839 ـ 923 ميلادية) 

 

النظرية الثانية:

الشمس بدت للإسكندر وهي تغيب في بحيرة في إيثاكا في مقدونيا

 

تفترضُ هذه النظرية بأن "ذو القرنين" كان الاسكندر، (الكهف 18 : 85) وبالتالي، فإن ذلك الاسكندر كان مسلماً صالحاً. لكن معرفتنا بأن الاسكندر قد بنى معبداً خاصاً به يقوّض هذه النظرية. إضافة إلى ذلك، فإن الاسكندر قد انطلق إلى شمال وغرب شاطئ إيثاكا لغزوِ البلاد التي تُعرَفُ اليوم بِاسْمِ ألبانيا.

 

في ترجمة يوسف علي للقرآن نجد الملاحظة التالية: "...وقد حيّر ذلك المفسّرين الذين استنتجوا منه إنه البحر المظلم العاصف."

إذا كان ذو القرنين هو الكسندر الكبير، فإنه لمن السهل أن يُفهَمَ بأن ذلك بأنه إشارة إلى Lychnitis  والتي تُعرف اليوم بِاسْمِ أوريدا Ochrida غرب مقدونية. هناك حيث يتزوّد من ينابيع تحت سطح الأرض في منطقية كلسية، مما يجعل المياه عكرة دائماً.

على أية حال، فإن ملاحظة يوسف علي تتعارض مع السورة 18 : 86 التي تقول:

1 ـ إنّ "ذو القرنين" قد رحل بعيداً،

2 ـ إن الشمس حقاً تغيب هناك،

3 ـ إنه رحل في طريق آخر ووجد مكان شروق الشمس.

وهذا يتفق مع الطبري وغيره من المفسرين في فهمهم للقرآن وليس مع علم الفلك المعاصر.  

    

أما الأمر الذي يُظهر رداءة هذه النظرية بشكل أكثر، فهو أن اليونانيين قد استقر بهم المطاف مئات الأميال إلى الغرب من إيثاكا في البلاد التي تُعْرَفُ اليوم باسْمِ اسبانيا أو سيسيليا (صقلية) وغيرها، وذلك قبل الاسكندر بخمسمائة سنة. لماذا يظنّ قائدٌ عسكريٌ عبقريٌّ ناطقٌ باليونانية أنَّ الشمسَ تغرب في مقدونيا بينما كانت السفن اليونانية تبحر آنذاكَ إلى أماكن أبعد كثيراً من بلد الاسكندر؟

هنا، يجدر القول بأن ترتوليانوس قد أشار في كتابه ("رسالة في النفس" الفصل 49 ص 227) إلى أن أرسطو، الذي عاش حوالي ذلك الزمن، كان قد تحدث عن بطلٍ من جزيرة سردينيا بعيداً إلى الغرب من مقدونيا لكن في منطقة مشابهة.           

 

النظرية الثالثة:

"العين الحمئة" هي في الحقيقة "المحيط الأطلسي"

 

ـ من الثابت إنّ المحيط الأطلسي ليس موحلاً أو مظلماً، بل أزرق أخضر.

ـ وهو ليس عين ماءٍ بل محيطاً واسعاً.

ـ والشمس لا تنزل في المحيط، بكل تأكيد! 

ـ وما هو أهمّ من هذا أو ذاك، فإنه لا الاسكندر، ولا سيروس الأول الفارسي، ولا ملوك اليمن قد ذهبوا إلى المحيط الأطلسي، ومع ذلك فإن سورة الكهف تصرّ على أن "ذو القرنين" قد شهد ذلك بأمّ عينيه!

 

إنّ أيّة حقيقة من الحقائق الأربع المذكورة أعلاه كافية لنقض هذه النظرية، فكيف للمسلمين أن يقترحوا شيئاً كذلك؟  من الواضح أنّ المسلمين مستعدون للذهاب إلى أقصى الحدود ليبرهنوا على صحّة ما ورد في سورة الكهف 18: 83 ـ 86

 

إذا كان إلهُ الإسلامِ قد قال ذلك في القرآن وهو يعرف أنه خطأ، فمعنى ذلك إنه كاذب. وإذا لم يعرف إلهُ الإسلامِ بأن ما قاله هو خطأ، فمعنى ذلك أنه جاهل على العكس من وصف القرآن له بـ "العليم". أما إذا لم تكن هذه الآيات من إلهِ الإسلامِ فمعنى ذلك أنّ القرآن يحتوي على بطلانٍ عظيمٍ لأنه يجزم بأن هذا الكذِبَ هو حقاً من عند الله بينما ليس هو كذلك.

بالطبع، إذا لم يكن هناك من وجودٍ لهذا اللهِ الإسلامي، وإذْ أنَّ الرب الحقيقي لم يؤلّف القرآن، فهذا يعني بأن اللهَ الإسلام لم يكذبْ لأنه غير موجودٍ أصلاً!       

 

النظرية الرابعة:

"العين الحمئة"، هي البحر الأسود كما تراءى لسيروس الأول

 

إضافة إلى الحقيقة التي لا جدال فيها بأنّ الشمس لا تغيب في البحر السود، فإنه، وكَي يتراءى لسيروس الأول وكأنّ الشمس هي تغيبُ فيه حقاً، كان يتوجب عليه أن يراها مباشرة من شمال وشرق البحر الأسود. لكنّ قَدَمَهُ لم تطأ أبداً تلك المنطقة والتي تُعْرَفُ اليوم بِاسْمِ جورجيا وارمينيا وأذربيجان. إضافة إلى ذلك، فإنَّه من غير المعقولِ أنْ يمكنَ لبحرٍ كالبحر الأسود مساحته 464400 كم مربع أن يظهر للرائي وكأنه عينُ ماء. كذلك، فقد كان معروفاً للجميع، من مصريين وشعوب أخرى إلى اقصى الشمال، أن الشمس لا تغيب في البحر الأسود.

 

علاوةً على ذلك، فإن ترجمة شكير الإنكليزية للقرآن تتضمن عبارة "البحر الأسود" عوضاً عن "عين"، وعلى اية حال، فإن كلمة "عين" باللغة العربية تعني "نبع" أو حتى الحوض الذي يتشكّل حول العين، لكنها وبكل تأكيدٍ لا تعني "بحر". ترجمة شَكير هي الوحيدة بين ثمان ترجمات أعرفها التي تترجم كلمة "العين الحمئة"  بـ "بحرٍ اسود" بينما تعني هي في العربية "العين الموحلة الداكنة".    

 

النظرية الخامسة:

"العين الحمئة"، هي بحر إيجه كما تراءى لسيروس الأول

 

ما يدحض هذه النظرية هو أنّ الفرس كانوا على معرفة جيدة بأهالي أثينا واسبارطة وغيرهم من اليونانيين. وهكذا، يُفتَرَضُ أنّهم كانوا يعلمون تماماً بأنّ اليونانيين لم يكونوا على الطرف الآخر من الشمس.

 

النظرية السادسة:

"العين الحمئة"، هي البحر الأحمر كما تراءى لأحد ملوك اليمن.

 

اليمنيون (الصابئة) كانوا على معرفة جيدة بالأحباش (الأثيوبيين) على الطرف الأخر من المضيق. لو اعتقدوا حقاً أن الشمس تغرب في البحر الأحمر، لكان الأحباش على الطرف الآخر من الشمس.

 

النظرية السابعة:

"العين الحمئة" ليست سوى استعارة لغوية

 

إذا لم يكن هذا الموضوع الذي يتحدث عنه القرآن حقيقة واقعة بكل معنى الكلمة بل تعبيراً مجازيا يُقصَدُ بهِ شيء آخر، فمعنى ذلك إنّ القرآن أخفق في أسلوب تعبيره عن شيء غير حقيقي وهذا خداعٌ. إضافة إلى ذلك، إذا كان حقاً تعبيراً مجازياً فإنه ليس هناك من هو قادرٌ على تقديم تفسير عمّا يُقصد بهذا المجاز. 

 

ليس هناك في القرآن البتّةَ ما يشير إلى أن هذا الموضوع لا يجب أن يُفسَّرَ حرفياً، ولقد تعامل كل المسلمين الأوائل معه حرفياً وبصفته حقيقة واقعة، ويبدو واضحاً أنهم لم يسمعوا تفسيراً لما تضمنته هذه السورة من صحابة محمد فأدّى ذلك إلى انخداعهم. 

 

النظرية الثامنة:

كانَ محمد يروي حلماً رآه

 

هذه النظرية تعني الشكّ في حقيقة شخصية "ذو القرنين". وإذا كان الموضوعُ مجردَ حلمٍ رآهُ محمد فإن لن يكون مستغرباً أن تغربَ الشمسُ في أي مكان يختاره لها! 

هنا يبرز أمامنا السؤال التالي: أيّة حقيقة إيمانية يحاول هذا الكتاب أن يعرفنا عليها بحديثه عن شخصٍ خياليّ يرى أمراً زائفاً كواقعٍ ثابت! 

من ناحيةٍ اخرى، لنفترِض أنّ شخصاً ما، قال بأنه رأى إنساناً اسمه عليّ يصنع أعمالاً غريبةً، فصدّق ذلك القول ملايين من الناس من بعدِه لقرون عديدة، أفلا يكون ذلك الشخص كاذباً إذا نسي أن يقول للناس، "لقد كان ذلك مجرد حلمٍ وأنا لم أرَ بأمّ عينيَّ عليّاً يصنع ذلك."؟

 

الخاتمة

بغضّ النظر عمّا إذا كان "ذو القرنين" الاسكندرَ الكبيرَ أو شخصاً آخر، فإن القرآن يتحدث عن غروب الشمس في عينٍ حمئة كأمرٍ واقع.

حتى الناس الذي عاشوا ألفَ سنةٍ قبل محمد عرفوا أن الشمسَ لم تغرب في هذا الجانب من إسبانيا.

حديث القرآن هذا ليس مجازاً لأنه ليس هناك مِنْ مسلمٍ بين الأوائل لم يؤمن بحرفية هذا القول أو أنه قد قدّم له تفسيرا مجازياً معقولاً. إضافة إلى ذلك فإن جميع هؤلاء المسلمين الأوائل قد آمنوا كل الإيمان بأن القرآن لم ينزل بأمرٍ مخادع.

**************

 

المراجع

 

ترجمات القرآن

1 ـ أربيري، آرثر، ج.: القرآن المفسَّر. شركة مكميلان للنشر 1955

2 ـ داوود، ن. ج.: القرآن. كتب بنغوين. 1956 ـ 1999

3 ـ مالك، فاروقي عزام: الترجمة الإنكليزية لمعنى القرآن: هدىً للناس. مؤسسة المعرفة الإسلامية. 1997

4 ـ بيكثال، محمد مرمادوك: معنى القرآن الكريم. الدار الإسلامية (كويت) (بدون تاريخ)

5 ـ رودويل، ج. م.: القرآن. الإصدار الأول. كُتُب آيفي. نشر شركة بالانتاين للكتب. 1993

6 ـ شكير، م. ح.: القرآن. شركة "تحريك ترسيل القرآن" الطبعة الثانية عشرة، الولايات المتحدة. 2001

7 ـ شير علي، مولاوي: القرآن الكريم. شركة إسلام العالمية للنشر. (أحمدية) 1997    

8 ـ يوسف علي، عبد الله: القرآن الكريم: الترجمة الإنكليزية للمعاني والتفسير. شركة الملك فهد لطباعة القرآن الكريم. (المدينة، المملكة العربية السعودية) 1410 هجرية.

 

مراجع اخرى

ـ موسوعة المعارف بريتانيكا. انسايكلوبيديا بريتانيكا 1958

ـ تاريخ الطبري: ترجمة وتعليق. إيشان يار ـ شاتر، المحرر العام. قسم الصحافة في جامعة نيويورك. 1989

(ترجم النص من الإنكليزية بسام درويش)

=========================